recent
أخبار ساخنة

قصة . حبة الكرستال الخبيثة .

 

الاستاذ /نشوان ذنون عبد الله




بعد أن إستشرت جريمة تعاطي حبوب الكرستال في مجتمعنا كان لا بد من نشر هذه القصة للنصيحة و الإنذار و التوعية .


في سنة ١٩٩١ تم إعلان وقف إطلاق النار بعد أن تم تدمير كل البُنَى التحتية و كل مفاصل الحياة البسيطة في بلدنا الحبيب . فلم يبقى ماء ولا كهرباء ولا إتصالات أو طرق مواصلات ولا وقود ولا غذاء أو دواء ولا دوائر حكومية أو منشأت خدمية . وأصبح العراق عبارة عن بلد لا يصلح فيه العيش ولعدة أشهر . فالحياة البدائية عادت من جديد . بجلب الماء من العيون والترع و الأنهار والطبخ على الجُوَل و الفحم و الحطب و الإنارة على ضوء الفوانيس و الشموع . وأذكر في حينها كنت في وحدتي العسكرية و قد شربت الماء من تجمع مياه الأمطار المتجمعة ( كَخَبرات راكدة والتي كان يطفو فوقها السخام الأسود لحقول نفط الرميلة المحترقة) . وأذكر في أحد المرات كنت أشرب الماء من (أحد الخَبرات) بكفي و عن يساري على بعد (٦ أمتار) كان هناك رجل ومعه حِصانَه وهم يشربون معاً من نفس الخبرة الراكدة بنفس إنحنائة الجسم نحو الماء وأنا أشرب وأبتسم على هذا الموقف اللطيف ) وأكلت خلالها من حشائش الأرض نبات الخَباز والكعوب وعلى مدى شهر رمضان المبارك الذي وافق في (يوم الأحد ١٧ أذار من سنة ١٩٩١) . حتى أُنهكت معدتي ولم تعد تتقبل أي طعام وأصبحتُ أُعاني من ألآم و تقلصات مستمرة في المعدة و الجهاز الهضمي ولعدة شهور . حتى وصلت الى مرحلة متقدمة من الألم في نهاية شهر نيسان من تلك السنة . وفي أحد الليالي في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل إستيقظت على ألآم تكاد أن تقتلني وأنا أصرخ لعدم تحمل ألآمها حتى وصلت حد البكاء الخفي . حينها عرفت معنى المرض حين يقهر جسم الإنسان . وعرفت معنى الصحة والنوم بإطمئنان . فإستيقظ جميع أصدقائي على صوتي وصراخي (فأخذني صديقي إبن مدينة الضلوعية البهية . ملازم أول تركي حمود حماش بعجلته الخاصة) ولن أنسى له هذا الموقف النبيل ما حييت . أخذني الى وحدة الميدان الطبية الخاصة بفوجنا وما أن رآني الطبيب الخفر . حتى قال لي أنت تحتاج الى أن ( تضرب إبرة بثدين ) . فقلت له بحسرة (حتى لو إبرة بنزين) المهم يذهب الألم . فقال لي ( بس هالمرة تأخذها) وحذاري أن تأخذ إبرة ثانية فإنها ستجعلك مدمن مخدرات طول العمر . هو يتكلم معي وأنا أتلوى من الألم وأقول له ( إرحمني أرجوووك ليس هذا وقت الكلام ) ويا سبحان الله . حقن الطبيب الإبرة في وريدي وفي نفس اللحظة التي سرى فيها مفعول الدواء . شعرت بأن الألم يختفي بعد أن أُحيط بطبقة دافئة من السكون . وهنا بدأ عقلي يغيب بإنتعاشة لا مثيل لها وكأني أسبح في بحر من النجوم المتلألئة بلا هموم ولا ألم و لا حر ولا برد ولا قلق ولا غم ولا هم حتى إني نسيت نفسي وأهلي وأصحابي . ثم سمعته يُحدث صديقي وأنا أسمعه و شعوري كان يطير بغاية اللذة و النشوة . ويقول له . يجب نقله الى المستشفى حالاً لأن مفعول الإبرة سينتهي بعد (٦) ساعات وستعود إليه نفس الألآم والأوجاع . وبالفعل تم نقلي بإسعاف فوري الى مستشفى الصويرة العسكري . ومرت (٦) ساعات . و أنا أنعم بنوم هاديء جداً . وما ان ذهب مفعول الإبرة حتى بدأت الألآم و الأوجاع تعذبني من جديد . وأنا عدت لأتوسل مرة ثانية بالأطباء وأقول لهم أرجوكم . (إضربوني إبرة بثدين ثانية) سأموت من الألم . فيبتسموا و يقولوا لي (هل شعرت بطعمها . كم هي منعشة أليس كذلك . لكنها مدمرة تحطم الأخلاق و الدين و الوطن) . هيهات هيهات . (عليك أن تصبر وتتحمل الأوجاع والألم) . وجع وعذابات أيام أفضل لك من أن تدمن هذه المخدرات اللعينة . وبالفعل مرت الأيام ثقيلة ومؤلمة و أنا أتحمل ألآم المعدة (كالجمرة) تحرقني ولا تنطفيء في معدتي . والحمد لله مرت تلك المحنة . وها أنا ذا منذ أكثر من (٣٠) سنة لن أنسى ما حييت و أتذكر تلك اللذة ونشوة وإنتعاشة و تأثير إبرة البثدين . التي جربتها مرة واحدة في حياتي (للعلاج) . فحملتني بعيداً كالنسر أحوم عالياً فوق القمم أسبح بين شاهقات الجبال . ثم تردفني ساقطاً نحو حضيض الذل و الهوان . هنا أقول ومن باب المحبة في الله والنصيحة لدين الله . (حذاري ؟ ) أيها الشباب . يا أخوتي يا أحبتي (حذاري ١٠٠٠ مرة) . من الولوج من هذا الباب و السقوط في هذا المستنقع الآسن . فستغرق فيه و تبدأ لك فيه قصة و رحلة من المعاناة و الألآم و الأسقام لا تنتهي . وخسارة النفس والأهل و المال و الراحة و الصحة و العقل و القلب و ( الدِين ) . كمن يشرب من ماء البحر و لا يرتوي أبداً بل يزداد عطشاً حتى تنفجر مَعِدته . إنها فتنة خبيثة تجردك من إنسانيتك لتصبح أجلكم الله(حيوان متوحش) لا يفرق بين الحق و الباطل و الحلال و الحرام . فكل المحرمات مباحة . ويتصيد اللهو و المتعة السقيمة الكاذبة . والتي توردك الى نار الدنيا قبل نار الآخرة وعقابها . فإن نار الدنيا خسارة كل شيء له قيمة و معنى فاضل في حياتك من أهل و أحباب و أصحاب و صحة و فهم و إدراك و ثقة بالنفس و معاملة و طموح و أمل . البداية ستكون بسيطة (حبة كرستال) بإبتسامة من باب الصداقة و اللهو و المزاح و التجربة . لكن النهاية ستكون قاسية و مهلكة جداً عندما يخسر الإنسان نفسه فلا يربح شيء بعد ذهاب صحته و أهله و عقله ودينه . تم

google-playkhamsatmostaqltradent