recent
أخبار ساخنة

خبر الآحاد - الشافعي بقلم الدكتور عبدالعزيز بن بدر القطان

الصفحة الرئيسية


 وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا


عبد العزيز بدر القطان


اهتمت الأمة الإسلامية بالسنة النبوية الشريفة كونها المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، الاهتمام الكبير، وكانت السنّة النبوية الشغل الشاغل لعلماء الإسلام على امتداد العصور، من حفظ وتدوين وتصنيف وتقسيم علوم الحديث، لمنع الشبهات وصدها والدفاع عن العقيدة الإسلامية الحقة من براثن الغلو الذي كان ولا يزال يخلع ثوبه ويبدله من عصرٍ إلى عصر.


ولكثرة علماء الإسلام الذين قضوا حياتهم كلها في التعمق بالدراسة وحفظ السيرة النبوية، ارتأيت أن أختار في موضوعي هذا الإمام الشافعي الذي عني بعلم الحديث من خلال جهودٍ كبيرة بذلها في خدمة السنة النبوية وكان أول من صنّف هذا العلم، ولفهم هذا العلم في عهد الإمام الشافعي لا بد من التعريج على المدرستين اللتين غلبتا في الأقطار الإسلامية وهما، مدرسة الرأي في العراق، ومدرسة الحديث في الحجاز، وتلقى الإمام علومه على يد عددٍ من الأئمة مثل مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، ومسلم بن خالد، وابن عيينة، وغيرهم ومن هذه الدراسة أنشأ مدرسته الخاصة، ولسنا هنا في صدد سبر أغوار علم الشافعي التي تحتاج إلى العمل الكبير لذكر مناقبه وعلومه، لكن وبسبب فتنة العصر الجديد، حول خبر الآحاد التي عاشها كل زمان وكل عصر، شاء الله أن تتكرر في زمننا هذا، ولذلك لا بد لنا من رد هذه الشبهات ودرء الفتن حولها، من باب نصرة السنة النبوية الشريفة ومن باب الواجب الديني والأخلاقي.


وكما هو معلوم أن الإمام الشافعي جمع بين الفقه والحديث، وبين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، وامتاز الإمام بأن فروعه الفقهية مطابقة لأصوله الأمر الذي يبين استقلال منهجه الفقهي السديد، وقد تصدر عصر الأئمة بالإفتاء والتدريس والتنصيف، وكما هو معلوم أيضاً اهتمام المسلمين بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رواية ودراية، حيث تم وضع القواعد والضوابط التي تحفظها من تحريف المغالين وانتحال المبطلين، فهذا العلم أوصل الصحيح من الضعيف، والمعل من السليم والموقوف من المرفوع والمقبول من المردود وعليه يقوم استنباط الأحكام من السنة الطاهرة بواسطة هذا العلم الذي هو حسن الاقتداء بالرسول الكريم، ويعتبر العصر الثاني للهجرة الذي عاش فيه الإمام الشافعي من أخصب العصور بالنسبة لتدوين السنة ففيه ظهر أصحاب الكتب الستة المشهورة التي تُعتبر أشهر وأهم دواوين السنة وكتبها وأوفاها وأشملها للأحاديث النبوية، وكما كان هذا العصر عصر ازدهار كثر فيه الكذب والتدليس أيضاً، حيث كثرت حركات الزندقة ودس هؤلاء الزنادقة الكثير من الأحاديث في العقائد والأخلاق والحلال والحرام والكثير غير ذلك، وبالتالي نهض أئمة الإسلام لمواجهة هذه الضرورات، ليبدأ عصر التدوين الفعلي.


وفي غمار هذه الرحلة انتشر التدوين المبوب وجمعت الأحاديث في الجوامع والمصنفات، وخرج الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع بقصد المحافظة عليه، وذكروا كل ما ورد فنقلوه بأسانيده إلى قائله، وتوسع العلماء في الجرح والتعديل وفي نقد الرجال لكثرة شيوع الضعف، في ضعف الحفظ من جهة وفي انتشار الأهواء والبدع من جهةٍ أخرى، وغير ذلك الكثير من الاهتمام منقطع النظير، وقد سار توثيق السنة النبوية في القرن الثاني الهجري في طريقين يكمل بعضهما الآخر، حفاظاً على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أحدهما، وضع المقاييس والأسس التي تكفل للسنة أن تنقل نقلاً صحيحاً، دون تبديل أو تغيير، والتي تصونها من وضع الوضاعين والمحرفين، وثانيهما، إثبات حجية السنة النبوية كمصدر أساسي من مصادر التشريع الإسلامي وإزالة العوائق التي وضعها الحاقدون، وكان من حملة لواء هذا الأمر بلا منازع الإمام الشافعي، وأما في القرن الثالث الهجري، الذي عرف بعصر التدوين وعصر السنة الذهبي، حيث دونت فيه السنة وعلومها تدويناً كاملاً وفي هذا العصر ألفت المسانيد مثل مسند الإمام أبي داوود وأحمد بن حنبل وغيرهم، ففي هذا العصر أصبح كل نوع من أنواع الحديث علماً خاصاً مثل علم الحديث الصحيح وعلم الحديث المرسل وعلم الأسماء والكنى وغير ذلك.


وكما جرت العادة يخرج أصحاب الشبهات والفتن كما أشرنا في كل عصر، ففي عصر الإمام الشافعي على سبيل المثال أثيرت شبهات تتعلق بنقل السنة والتشكيك بهذا النقل حتى المتواتر منه، فلقد رأى الإمام الشافعي بأن تلك الشبهات عبارة عن أسلحة يشهرها الحاقدون على دين الله تبارك وتعالى، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لا بد من الرد عليهم وإثبات أن السنة نقلت بالتواتر وإما بالآحاد من الرواة وحجيتهما ثابتة، لا كما خرج علينا مؤخراً من يريد نقض هذه الحقيقة العلمية والموثقة بالبرهان والدليل من خلال الطعن والتشكيك بخبر الآحاد كما حدث من المسؤول الذي استفضنا بمقال الأمس بالتفصيل حول ما جاء به، وكنا قبل ذي مرة قد فصلنا في سبب كتابة كتاب الرسالة، لكن نعيد التذكير ببعضٍ مما جاء في هذا اكتاب للضرورة، فلقد بين الإمام الشافعي في كتاب الرسلة أهمية رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهمية القرآن الكريم وعلاقة السنة بالقرآن وحدية السنة التي هي المصدر الثاني في التشريع الإسلامي، كما بين الإمام الشافعي حجية خبر الآحاد بصفة خاصة وهذا هو مقصدنا والسبيل من كل هذا المقال.


وينقسم الخبر في تقسيمات المتأخرين من حيث القبول والرد إلى مقبول ومردود، وقد تحدث الإمام الشافعي عن الحديث المقبول في الرسالة، ومن ذلك قوله: (ولا يقبل الخبر إلا عن معروف بالاستئهال له لأن يقبل خبره، ويحتمل أن يكون المخبر له غير مقبول القول عنده فيرد خبره حتى يجد غيره ممن يقبل قوله)، وبحسب الإمام أن ذلك يحتمل ثلاثة احتمالات، إما من باب الاحتياط الزائد، فخبر الاثنين يزيد الحجة قوة وثبوتاً، أو من باب عدم علم المخبر فيتم التوقف بقبول روايته حتى يأتي مخبر يعرفه المتوقف، أو من باب عدم قبول خبر المخبر أصلاً، لعلة معينة فيرد خبره حتى يأتي غيره ممن هو مقبول الرواية، وينقسم الخبر عند الجمهور إلى متواتر وآحاد، والسنة المتواترة هي ما رواه جمع كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب كما أشرنا في مقال الأمس، وأن تستوي الكثرة في جميع الطبقات من الابتداء إلى الانتهاء وأن يكون مستندهم الحس (رأيت وسمعت)، وأن يفيد العلم لسامعه أي العلم اليقيني الضروري، وهنا لا بد من تبيان ملاحظة مهمة أن الإمام الشافعي لم يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد بل قسمها غلى خبر عامة وخبر خاصة.


تعريف الخبر الواحد أو الآحاد عند الإمام الشافعي


ذكر الإمام الشافعي تعريفاً لخبر الآحاد في كتاب الرسالة وقال: خبر الواحد عن الواحد حتى ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من انتهى به إليه دونه، ونقل الواحد عن الواحد ما يسمى "الغريب عند المحدثين والمتأخرين"، والاثنين عن الاثنين "العزيز"، والثلاثة عن الثلاثة "المشهور"، وقد أطلق الإمام الشافعي على خبر الآحاد اسم خبر الخاصة، وكانت حجة الإمام الشافعي في خبر الآحاد بقوله: (وأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي يختلف الخبر فيه، فيكون الخبر محتملاً للتأويل وجاء الخبر فيه عن طريق الانفراد: فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصاً منه، كما يلزمهم ان يقبلوا شهادة العدول، لا أن ذلك إحاطة كما يكون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو شك في هذا شاك لم نقل له: تب، وقلنا: ليس لك إن كنت عالماً أن تشك كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم والله ولي ما غاب عنك منهم)، فلقد نص الشافعي على أن خبر الآحاد يفيد العلم وأنه حق في الظاهر وحجة يلزم العاملين وأهل العلم منهم أن يصيروا إليه، وعلم الخاصة سنة من خبر الخاصة يعرفها العلماء بصدق الخاص المخبر عن الرسول الكريم، وقد أجمع المسلمون على أن سنة الآحاد حجة، على الجميع اتباعها وهي من مصادر التشريع.


شروط الاحتجاج بخبر الواحد عند الإمام الشافعي


يقول الإمام الشافعي إنه لا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى تتوافر عدة أمور، أولاً، ان يكون من حدّث به ثقة في دينه، معروفاً بالصدق في حديثه، عاقلاً لما يحدث به، وعالماً بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، الأمر الثاني، أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدّث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل به معناه، لم يدرِ لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبقَ وجه يخاف فيه إحالته للحديث، الأمر الثالث أن يكون إن حدّث به من حفظه، حافظاً لكتابه إن حدّث من كتابه، إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم، الأمر الرابع أن يكون بريّاً من أن يكون مدلساً يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما يحدث الثقات خلافه عن النبي، والأمر الخامس والأخير، أن يكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولاً إلى النبي أو إلى من انتهى به إليه دونه، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه ومثبت على من حدث عنه، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت. وبالتالي نخلص إلى أن الشروط المذكورة أعلاه إن استكملت في قبول الخبر الواحد، يكون الخبر صحيح، وهي: اتصال السند وعدالة الراوي وضبطه التام، مع انتفاء الشذوذ والعلة، ومن الأدلة على حجية الخبر الآحاد، قوله تعالى: (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه)، وقوله تعالى: (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل)، وقوله تعالى: (وإلى عاد أخاهم هوداً)، وقوله تعالى: (وإلى ثمود أخاهم صالحاً)، وقوله تعالى: (وإلى مدين أخاهم شعيباً)، وقوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل).

 

google-playkhamsatmostaqltradent