recent
أخبار ساخنة

مهندسونَ منْ بلدي / المهندس عبد السلام السعدون ( 1 )

الصفحة الرئيسية

 


( الاخلاق ) 

 وأنا أكتبُ عنْ شريحةٍ أعطتْ لبلادي  الكثيرَ منْ الإنجازاتِ فتعرضتْ في مسيرتها المهنيةِ إلى الكثيرِ منْ الإرهاصاتِ والضغوطاتِ  واستمرت في عطائها ولم  " تثنهم  "  تلك العقبات عنْ تقديمِ الأفضلِ والأحسنِ فكانتْ العلميةُ هيَ منْ تتحكمُ في قراراتهمْ ناهيكَ عنْ النزاهةِ والدقةِ التي كانتْ سمة  تصرفاتهمْ بلْ إنَ ( أخلاقهمْ  ) كانتْ مفتاح  تميزهمْ  . 

فولدت في مضمار هذه المهنة المبدعة " زها حديد "  التي شغلت العالم بمنتهى ابداعها ولم تكن هي وحدها فكان جيل اعطى الابداع قبلها ومع جيلها وسيستمر ابداع مهندسينا يتدفق مع تدفق نهري دجلة والفرات ليسجل اجمل القصص لتتلاحق مع بعضها فتكون مهنة المهندس هي الابداع والمساهمة الفعالة في بناء وطننا . 

ومن هذا المنطلق وعند سكون بحر الهندسة في بلادي ووجود  " اليم " على جرفي نهره المعطاء لحقت بصفو مائه بعض الشوائب عكرة صفو تلك المهنة التي انتمي اليها فتذكرت استاذ لي لم يسبقني الا سنوات ثلاث في مهنتي هذه  ولأننا كنا نعتقد ان ( من يكبرنا بيوم يعرف عنا مقدار سنة ) كنت اراه استاذا لي فتعلمت منه  ( اخلاق ) المعلم وحسن التعامل مع كادره ولوْ تحدثتْ عنْ أستاذي قبلَ أنْ " أتجرأَ " وادعى أنهُ زميلُ مهنةٍ فأنا أكيدٌ سأكونُ في حيرةٍ في  تناولِ شخصِ قامةٍ وقمةٍ في مهنتهِ وأستاذٌ في جذبِ منْ حولهِ بشيءٍ نحتاجُ لهُ اليومِ ألا وهي  " الأخلاقُ "  ، فكم نحن بحاجة لان تكون اخلاقنا فوق خبرتنا   وهي من تنبع منها  ثقافتنا لتسموا كصفة نتمنى ان  تسود في المجتمع المتعلم لكي تتجمع حوله بعدها كل التسميات . 

تعرفتْ على " المهندسِ عبدِ السلام السعدون " منذُ في ( 1988 ) لمْ يكنْ يعرفني لا نني كنتَ أقلَ منهُ درجةً وظيفيةً إلا أنني " التقيتهُ " في رمضانْ  ( 1988 ) في مكتبهِ وكانَ في بلدي  ظرف صعبٍ  في تلك الايام جميعنا يعلمهُ وكانتْ زيارةٌ خاطفةٌ إلا أنني أعجبتْ بتلكَ الأخلاقِ التي يحملها  وزادني اعجاب  حسن تصرفٍه  معي  فكان يحمل كلِ الاحترامٍ والتواضعٍ  لمهندس حديث التخرج ، غادرتهُ ولمْ ألتقِ بهِ حتى عامٍ ( 1993 ) وكنتَ في حينها ضمنَ نفسِ المجالِ الذي يعمل  بهِ في مجالِ الإعمارِ والبناءِ وما صاحبُ تلكَ الفترةِ منْ عملِ وجهدِ ضمنَ الظروفِ التي كانَ يمرُ بها العراقُ في تلكَ الفترةِ حيثُ إنَ تنفيذَ أعمالنا الهندسيةِ كانتْ تواجهُ صعوباتٍ كبيرةً ، وكانَ لقائي معهُ لقاءً وديا دونَ أنْ أذكرهُ بلقائي الأولِ وأحسب أنهُ قدْ نسيَ تفاصيلهُ لأننا نعملُ في مجالاتٍ كثيرةٍ فأعتقد أنْ نتذكرَ كافةُ المواقفِ شيءً غيرُ متوقعٍ ، إلا أنني تذكرتهُ لأنهُ زرعٌ في نفسي بذرةَ الحبِ والاحترامِ التي توجتها أخلاقهُ وحسنِ استقبالهِ ، عملنا ضمنَ محيطٍ واحدٍ فكنتَ دائما اذهبْ إلى  " مقرِ شركتنا  " واجدْ الفرصةِ للجلوسِ في مكتبهِ لدقائقَ او  فقطْ القي  عليهِ التحيةُ ، وقدرَ اللهُ - سبحانهُ وتعالى - أنْ يجمعنيَ بأستاذي مهندسَ عبدِ السلامْ عمل مشتركٍ ، حيث أصبحَ عملنا واحدٌ وضمنَ نفس المشاريعِ ، والأكثرَ غرابةً منْ كلِ هذا فإنني لمْ ألمسْ منْ تصرفِ أستاذي أيَ تغييرٍ ولمْ تتغيرْ طريقةُ عملهِ أوْ أسلوبِ فكانت  أخلاقهُ تجذبُ منْ حولهِ بلْ أصبحَ الأستاذُ عبدَ السلامْ مميزٍ بحبِ كلٍ منْ حولهُ فتكللتْ أخلاقهُ معَ تواضعهِ فأصبحنا نلازمهُ ونحاولُ أنْ ننهلَ منْ علمهِ وانْ نتعلمُ منْ أخلاقهِ ونحاولُ أنْ نسلكَ نفسُ سلوكهُ إلا أننا عجزنا أنْ نكونَ بنفسِ صفاتهِ .

 مهندسُ عبدِ السلامْ تعرضَ لضغوطٍ في شركتهِ وكانَ الكثيرُ ممنْ حولَ أصحابُ القرارِ في الشركةِ يسعونَ لتهميشهِ إلا أنهمْ فشلوا في إثناءهُ عنْ أداءِ واجباتهِ وحسنِ تصرفهِ ، ورغمُ أنَ لمهندسنا مقام عالٍ بينَ الأقاربِ وأنَ قبيلتهُ تملكُ الكثيرَ ممنْ لهمْ الصوتُ الأعلى في المجتمعِ إلا أنهُ لمْ يتفاخرْ يومٌ بأحدِ بلْ لمْ نسمعْ أنهُ يتفاخرُ بهمْ .

 لقدْ تعلمنا منه الكثيرُ وكنا ننهلُ منْ علمه فأصبحَ جزءٌ منْ تصرفاتنا تحكمها ما تعلمناهُ منْ جيلٍ سبقتنا ( بسنواتٍ قليلةٍ ) إلا أنهمْ تميزوا عنا بدقةِ عملهمْ وحرصهمْ الذي افتقدناهُ كثيرا عندما عملنا في مشاريعَ معَ مهندسينَ سواءً كانوا أكثرَ منا خبرةً أوْ منْ همْ أقلُ منا سنينَ تخرجَ فكانَ الفارقُ الذي لمسناهُ يدعونا في كلِ حينِ لانَ نرجعُ فنسلكُ سلوكهمْ أوْ التقييدِ بما تعلمناهُ منهمْ . لقدْ كانَوا  رجالٌ يحملونَ مسؤوليةُ الارتقاءِ بمهنتهمْ وأمانةِ إنَ يحافظونَ عليها .

 أنَ تسليطَ الضوءِ على مهندسي بلادي هوَ واجبٌ لمنْ لديهِ الوسيلةُ التي تجعلهُ قادرا على إيصالها لجيلٍ جديدٍ منْ المهندسينَ ربما افتقدوا نتيجةُ للظروفِ غريبة جعلت من  المهندس يترك نفسه لتذهب منجرفة مع تيار تسابقه الاهواء فنسي من نسي ان مهنته تقيدها الاخلاق وتتحكم في مفاصلها حسن التصرف ودقة الاداء وان ما يمر به المهندس من ضغوط يجب ان لا تثنيه عن اداء واجبه بكل امانة وصدق وتفاني لان مهنته ترتفع  بها قامات البناء ولان البناء لا يرتفع الا على اسس صحيحة تقومها شرف المهنة وتستند الى الاخلاق .  

لم يكن المهندس عبد السلام بيننا الا وكانه " كتلة " مضيئة من الاخلاق ، ولو التقيته اليوم فلن اجده  الا كما ودعته قبل اكثر من ربع قرن من الزمان تسمو صفاته فتجتمع حول حسن اخلاقه كل الصفات .

google-playkhamsatmostaqltradent