recent
أخبار ساخنة

تدابير الرحمة الإلهية . بتصرف

 



بعد أن مضى العمر و أصبحت على أعتاب الستين . أدركت و أنت متعجب . ولا عجب في أمر الله .

 

يمضي بنا العمر سريعاً وكأننا حلم في غفوة . ثم نجفل منها بعد أن نستيقظ بصحوة . لنجد أنفسنا وقد ضاع العمر بهفوة تتبعها هفوة . نتنافس فيها بمضمار سباق الحياة . مكبلين بأغلال العافية والرزق والذرية . نلهث ولا نرتاح أبداً إلا بعد أن يهدنا التعب و ينهكنا المرض . فنعود لنتكيء مجبرين على وسادة العجز و قد غمرتنا مشاعر الزهد . لنتعلم آخر دروس الحياة . ونفهم أن كل سباقاتها التي خضنا غمارها . جميعها كانت خاسرة ( إن لم يكن فيها ذكر الله سبحانه و تعالى و العمل الصالح )

قبل (٣٥) سنة وفي تموز من سنة ١٩٨٧ تخرجت من الكلية العسكرية برتبة ملازم مشاة وكان عمري في حينها (٢١) سنة . كنت ُ بقمة الشبوبية الباهرة . و إحتراف العسكرية بعقلية ماهرة . و قوة لا يكبحها ملل . و إندفاع لا يعجزة زلل . حتى أصبحت في قناعة . أن الأخلاق أساسها الطاعة . بصدق النوايا و الضراعة . و أذكر . في الشهر العاشر من تلك السنة . أرسل في طلبي العميد أمر مدرسة المشاة . وكان هو آمري الأعلى . من اجل ان يختبرني بشكل مفاجيء بموضوع في كراسه عسكرية من بين السطور . فقد كان هذا أسلوبه في تنشيط و تحفيز ضباطه في متابعة واجباتهم والتعلم . فأجبته والحمد لله . ولكن بعد أن عصرت فكري وجف ريقي . ألهمني الله سبحانه و تعالى الجواب الصحيح . وبعد ان خرجت من مكتبه وأنا أفكر بشخصيته البهية . و إرادته القوية . و أسلوبه الراقي . بهيبته التي تملك القلوب . في ذلك الوقت أذن لصلاة الظهر . فذهبت لإداء الصلاة في مسجد الوحدة . و بدأت بصلاة السنة القبلية و في أثناء ركوعي شعرت برأس ساجد (بمحاذاة قدمي) لا يبعد عن قدمي شبر . يا الله تكاد قدمي أن تلامس رأسه . فإنتبهت فإذا هو (رأس آمر المدرسة) . سبحانك يارب . قبل ربع ساعة من الزمن كنت أقف أمامه بالإستعداد دون أن أرمش . و قد تجمدت أمامه كل مشاعري . وهيبته تملأ قلبي . وهنا في هذا الموقف . إزيلت الرتب و إختفت الألقاب و ألغيت المسميات . ولم يبقى غير هيبتك و عظمتك يا رب . وها نحن عبادك المتساوون كأسنان المشط واقفون بين يديك يارب . لا يميزنا في الكرامة لديك . غير تقوانا إليك . مع حفظ مقام الإحترام كل بذاتهِ فيما بيننا ونحن في بيته جل جلاله . كان هذا الدرس في أول مقامات الهيبة الإلهية أمام النفس البشرية . بكل ما تملك من جاه أو منصب أو نفوذ . ولم تكد تمضي سنة على هذا الموقف . نقلت الى إحدى الوحدات الفعالة . في أواخر سنة ١٩٨٨ . فإذا بدرس آخر يؤثر في معنى فهمي للحياة . في باب لطف الله الخفي . وقد توقفت الحرب و بدأ الضبط و النظام يأخذ منحى الجد و المحاسبة القاسية . وقد بُلِغنا في حينها بوجود زيارات مفاجئة لقائد الفيلق الذي كان ذا شخصية قاسية . يحاسب بحدة . ويعاقب بشدة . لا يرضى بعذر . ولا يحفظ لأحد قدر . وقد كنت في حينها برتبة ملازم في وحدة تشكيل جديدة . إدارياً غير مكتملة . نظامياً غير مؤهلة  للتفتيش . وقد ذهب أمر الفوج و المساعد بواجبات إدارية . وبقيت أنا وحدي بوجه المدفع مع بعض الضباط و الجنود .عندما أتصل ضابط الركن الأقدم في اللواء وأبلغني بصوت مُرتبك . تهيؤا بسرعة لزيارة السيد قائد الفيلق هو في طريقهِ الى فوجكم الآن . حينها أُسقط في يدي . فهيئت كل ما أستطيع أن أكمله بسرعة فائقة . ثم توجهت الى الله سبحانه وتعالى و فوضت أمري إليه . في ان ينقذني من هذا الموقف العسير . وأنا في خضم دعائي ورجائي . و إذا بالرتل يظهر من بعيد يخطف القلوب بشكله المهيب . وأنا أقف بباب المقر وحدي . و أقول يارب برحمتك و بتدبيرك أنقذني من هذا الموقف العصيب . وصل الرتل و توقفت السيارات على عجالة . وترجل أحد الحمايات من سيارة القائد . وجائني راكضاً . فقلت مع نفسي . خير إن شاء الله . فقال لي أين دورة المياه . فأشرت بيدي من هنا . تلك في أقصى اليسار . فقلت له خير إن شاء الله . فقال لي السيد القائد يعاني من مغص معوي مفاجيء حاد جداَ . منذ (١٠) دقائق . ترجل القائد من السيارة وذهب بإتجاه دورة المياة . فأديت التحية بمنتهى الضبط العسكري . فردها بإبتسامة متألمة . ثم بعد (١٠) دقائق خرج بكل هدوء و وقار و تقدم نحوي . فقدمتُ له نفسي بثقة . فمد يده وصافحني ثم قال لي يبدو لي أن وحدتكم جيدة من نظافة المغاسل ودورة المياه و من قيافتك الجيدة و ضبطك العالي في إداء التحية . أنا أشكرك . ثم ركب في عجلته العسكريه و آشار لي بيده مودعاً . و أنا غير مصدق ما أرى و ما أسمع . بدأت أحمد الله سبحانه وتعالى في داخلي وأقول مع نفسي يا ألطاف الله . هل هذا هو قائد الفيلق الذي ترتعب منه جميع الضباط . سبحانك اللهم وبحمدك . يا مدبر الأمور . وميسر الأحوال . و منفس الكروب . و بعد أن غادرت العجلات . إبتسمت و حمدت الله سبحانه وتعالى شكراً وتحميداً وتعظيما . الذي وسعت رحمته كل شي . وقلت . نعم لم يكن حلم فقد صافحني و رحل . هكذا عندما يأتي تدبير الله سبحانه وتعالى  . فلا تحده حدود و لا تصده سدود . وعندما حدثت أصحابي بالموقف . تعجبوا مبهوتين للموقف و قالوا لي كيف نجوت ورب الكعبة من عقوبة قاسية  . ثم قالوا هذا بفضل رضا الوالدين . فقلت لهم نعم أي والله . رضا الله ثم رضا الوالدين . و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . تم

google-playkhamsatmostaqltradent