recent
أخبار ساخنة

الإعلام المحلي بين خطر السلبية وغياب الحاضنة


خميس بن عبيد القطيطي


"الإعلام المحلي بين خطر السلبية وغياب الحاضنة | جريدة الوطن" 


نقصد بالإعلام المحلي هنا ما يتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحديث الشارع، وكذلك ما ينشر عبر وسائل الإعلام خصوصا الصحفية منها، وهي بلا شك تشكل الجزء الأكبر للرأي العام المحلي، وسياق مقالنا يتناول كلا المسارين في إطار الرأي المحلي أو الإعلامي ـ إن جاز التعبير، (مخاطر السلبية على الوطن، وغياب الحاضنة الوطنية للفكر الإيجابي) وكلاهما؛ أي الفكر السلبي وتهميش الفكر الإيجابي يمثلان حالة غير نموذجية للتعاطي مع الإعلام ووسائله ومردوده المطلوب والمنتظر على الوطن .

السلبية يتم تشبيهها بالحفرة التي يسقط فيها الفرد فلا يستطيع من خلالها رؤية طريق النجاح، بل يبحث عن الطرق المظلمة والسوداوية المؤلمة التي تؤدي إلى الشعور بالضياع والفشل، وإسقاط هذه الفكرة على الوضع الوطني لها مخاطر متعددة، أقلها عدم الشعور بالارتياح والاستياء والتذمر. وهذه المفردات تستخدم في لغة المواجهة عادة، حسب الفكر المناوئ للأوطان وليس في لغة الوطن. وبالتالي، فالمواطن عندما يستخدم عناصر السلبية يحرق نفسه ووطنه دونما فائدة تذكر فقط مجرد تكريس لحالة معنوية عكسية تشكل مفردات الفشل والتراجع والانهزامية أمام الواقع .

بلا شك أن المواطن ـ أيا كان ـ لا يود أن يضع نفسه أو وطنه في هذه الدائرة السلبية، ولكن عن غير قصد، وفي ظل هذا الطيف الإلكتروني المتسارع وثورة الاتصالات، وتعدد وسائل الاتصال والإعلام، وجنوح الطبيعة البشرية للتركيز على السلبيات مع الترحيب المقتضب بالإيجابية، إلا أن عناصر السلبية تطغى أحيانا على الفكر؛ فيصبح الإنسان يعيش في دوامة متكررة تدور حول نفسها لتغذية هذه الذاكرة بالأفكار السلبية والامتعاض، وصولا إلى عدم الثقة، وهنا مكمن الخطورة الحقيقية على الوطن والمواطن .

إن تداول مثل هذه الأفكار وتقديمها كوجبة فكرية مستديمة على وسائل التواصل الاجتماعي تمثل أكبر الأخطار الوطنية التي لا يقبلها أي مواطن. وللأسف، يقع فيها البعض دون قصد في بعض الأحيان، لكن لو يعود الشخص إلى نفسه ويركز قليلا سيجد أن هذا الفكر السلبي الذي تم تداوله لم يحقق أي هدف يذكر أو أي نتيجة إيجابية لا للشخص نفسه، ولا لعموم المجتمع أو للوطن برمته، بل على العكس، وضع الإنسان نفسه في دوامة القلق والاستياء والتذمر وعدم المبالاة، وكلها مفردات تحمل مخاطر وطنية حقيقية .

المشكلة الأدهى أن الكثير مما يتم تداوله غير موثوق، وليس له مصدر واضح، وغالبيته إما في إطار التهويل الإعلامي وهو ضالة الإعلام الخبري دائما، والخبري المقصود هنا ليس فقط وسائل الإعلام، بل حتى الأخبار المتداولة بين الأفراد بكل ما تحمله من إعلام صحيح أو غير صحيح وغير واضح، وربما يكون أيضا إعلاما مفبركا أو منقولا بشكل غير صحيح .

كذلك موضوع الأخبار والمعلومات الصحيحة المتناقلة، والتي تعبِّر عن بعض الإخفاقات الوطنية في أي مجال أو مؤسسة حكومية أو خاصة، فهي لا تضيف شيئا إن لم تقدم الحلول، بل هي مجرد تزكية وتكريس للفكر السلبي المؤثر على الهوية الوطنية عموما، ودائما الإخفاقات والسلبيات على الصعيد الوطني واردة، ولكن إن لم يطرق الإعلام ووسائله التغيير وإيجاد الحلول فهو لا يضيف إلا مزيدا من التذمر والاستياء، وهذا بحد ذاته لا يفيد الوطن ولا المواطن إطلاقا .

أعلم أن الثقافات ومصادر الفكر متباينة بين البشر، والبعض لا يجد في مثل هذه الأوضاع إلا لغة الاستياء ويحاول التعبير بها عما بداخله بهذه اللغة السلبية، ولكن التمهل والتريث جيد في هذه الحالة، وطرح البدائل والمعالجات والحلول ضمن الفكرة المطروحة واجبة ومهمة علَّ وعسى أن يكون من بين هذه المعطيات ما يفيد الوطن وعدم الاكتفاء بتقديم الفكرة جافة دون حلول، فهي بالتالي تكون خالية من الفائدة وينطبق عليها نفس التصنيف المذكور أعلاه .

في الختام نؤكد أن التعبير عن الاستياء وارد من قبل أي مواطن، ولكن تكراره وتداوله بشكل مستمر على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي لا يخدم أحدا طالما لم يطرق باب الحلول، وعليه من الأهمية بمكان أيضا تشجيع الإعلام الرسمي للكتَّاب والنخب الوطنية في تقديم الحلول والمبادرات، والأخذ بأيديهم وتبني طروحاتهم، فليس المعني بالفكر والعمل الوطني في أي حقل من الحقول هو الخبير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل يجب مساعدته ومساندته في تقديم الفكر الوطني والعمل الوطني بشكل جماعي وبشراكة وطنية إيجابية، وهنا ـ للأسف ـ أيضا لا يوجد احتضان لأصحاب الفكر، ولا تبنى الأوطان إلا بفكر وسواعد جميع أبنائه .

إن عدم الاكتراث بما يطرح من فكر وطني يكرس عزوف النخب المفكرة عن تقديم الفكر، وهنا عتب كبير أيضا على المعنيين بهذا الأمر، وبالتالي فإن الكتَّاب والنخب الوطنية المفكرة قد لا تبادر في مثل هذه الظروف في تقديم أي فكر أو حلول أو معالجات بسبب عدم الاكتراث بهذا الفكر، وعدم وجود الحاضنة الوطنية التي تحتضنه .

ومن أجل عُمان، ينبغي منا كمواطنين الابتعاد عن الفكر السلبي الذي لا يخدم أحدا، وكذلك نرجو من صنَّاع القرار والمسؤولين إيلاء الفكر الوطني الإيجابي الاهتمام الذي يشعر النخبة المفكرة بوجود حاضنة واهتمام بكل ما يقدم في الوسط الإعلامي المحلي، ونسأل الله سبحانه الخير لهذا الوطن العزيز في ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه، وعمان بلد خير وسلام تستحق منا الكثير، كما أن مواطني هذا البلد العزيز الأوفياء مخلصون دائما للوطن والسلطان، ومتمسكون بالقيم الوطنية، ومتنافسون في حب الوطن.. وفقنا الله لخدمة هذا الوطن العزيز، والدفاع عن مقدراته، والله نعم المولى ونعم النصير .

google-playkhamsatmostaqltradent