recent
أخبار ساخنة

الحريات وفلسفة حقوق الإنسان بقلم - المستشار / عبد العزيز بدر القطان

الصفحة الرئيسية


 الحريات وفلسفة حقوق الإنسان بقلم المستشار 

 عبد العزيز بدر القطان


إن الحريات الموزعة بين فروع القانون تشكّل صرحاً كاملاً لأنها بمجموعها تقدم مزايا قانونية، لكن لا ينبغي إغفال حقيقة قائمة وهي أن الأصولية النسبية تبرر بالقيمة السياسية والفلسفة التي تسند الحقوق بوضوح، وعلى هذا فإن النظرية العامة للحريات العامة تبدو وكأنها ترجمة قانونية لفلسفة حقوق الإنسان في بلد معين، وضمن فترة معينة من تاريخه.


وإذا كانت فلسفة حقوق الإنسان قد انتصرت في نهاية القرن الثامن عشر في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، فإن نجاحها يعود إلى أنها كانت متوافقة مع ذهنية العصر أو ما نستطيع تسميته اليوم بالثقافة السائدة، كما يعود هذا النجاح إلى ما استخدمته من مصالح سياسية ملموسة جداً، وقد قدمت حقوق الإنسان كسلاح في حرب أيديولوجية لخدمة طبقة اجتماعية وهيمنة أمة كبيرة، وكمجموعة متماسكة تماماً نتجت عن تطور محتوم وعقلي صرف، وهي لا تلخص الحضارة الغربية المرتبطة بها ولكنها تعبر فيها عن بعض مركباتها التي غالباً ما يبقى تأليفها سطحياً.


وقد أخذ بالظهور تباعاً غموض فلسفة حقوق الإنسان التي كانت مجهولة في القرن الثامن عشر مع ما وجه إليها من انتقاد، بحيث أن هذه الحقوق التي جرى انتقادها وإنكارها كثيراً، تعرضت للزوال في القرن العشرين، فقد تنبّأ عدد من المفكرين وهم يستندون على حجج كثيرة بانحدار هذه الحقوق وانهيارها لا بل التخلي عنها، ومع ذلك وخلافاً لهذه التوقعات تدعمت هذه الحقوق وإن كان لا ينبغي لهذه النجاحات السياسية أن تحجب هبوط فلسفة القرن الثامن عشر، هذه الحقوق التي يطالب بها أبناء عصرنا ليست مشابهة للمطاليب التي كافح الأجداد من أجلها.


كما أن التعبير المتميز عن هذه الحقوق في نهاية القرن الثامن عشر بموجب إعلانات حقوق الإنسان كانت هامة من وجهة نظر رسمية وكذلك هامة بمضمونها وبالحقوق التي أعلنتها، وقد عبّر كارل ماركس عن وجهة نظره في هذه الحقوق من حيث نشأتها قائلاً: (إن فكرة حقوق الإنسان لم تكشف بالنسبة للعالم المسيحي إلا في القرن الماضي، وهي ليست فطرية في الإنسان، بل على العكس من ذلك لم تفتح إلا في النضال ضد التقاليد التاريخية التي يربى عليها الإنسان حتى يومنا هذا. هذه الحقوق ليست هبة من الطبيعة ولا مهراً من التاريخ الماضي بل هي ثمن النضال ضد مصادفات الولادة وضد الامتيازات التي نقلها التاريخ من جيل إلى جيل، إنها نتاج الثقافة والحضارة ولا يستطيع أن يحوزها إلا من استحقها وكسبها).


وإن عدنا إلى النصوص الأساسية في بلدان العالم التي تشير فيها إلى حقوق الإنسان في عصرنا هذا، فإننا قلّما نجد مفهوماً موحداً لهذه الحقوق في أنظمة هذه البلدان، حتى وإن تشابهت النصوص أحياناً، فالممارسة العملية والتطبيق الفعلي للنصوص يختلف حسب المستوى الاجتماعي والثقافي والحضاري وتكوين الدولة التي وصلت إليها شعوب هذه البلدان.


أخيراً، تبقى أنظمة الحريات التي تتشابه في الكثير من مظاهرها بين الدول، وبغض النظر عن النصوص الدستورية ووجودها أو عدم وجودها، ومدى ما تنص عليه أو لا تنص عليه من ضمان لهذه الحقوق في أنظمة حكمها.

google-playkhamsatmostaqltradent